.. حَبَّةُ رَمل ..
عرفتها منذ زمن بعيد...
أعجبني ذلك الإيمان والطمأنينة اللذان يشعان من عينيها...
كانت زميلتي في الدراسة...
كانت زميلتي في الدراسة...
توطدت علاقتنا...فأصبحنا صديقتين متلازمتين...
وكلما عرفتها أكثر...عجبت وأعجبت بها أكثر..
كانت من عائلة جدا مرموقة...
نسبا ومالا ومكانة اجتماعية....
كانت تعيش في قصر كبير....
كانت قادرة أن تأمر وتنهى...
طلباتها كانت أوامر...حتى قبل أن تطلبها...
فوجئت حينما زرتها في بيتها لأول مرة....
فلم يكن هناك أدنى دليل على كل هذا الثراء الذي ترفل فيه...
مرت السنوات....وتخرجنا...
وظفها والدها في منصب مرموق في شركته....
وكلما كبرنا...كلما كبرت مكانتها...
ازدادت تلك الإنسانة....روعة...وإيمانا...
وازدادت تواضعا...ورقة...في تعاملها مع الآخرين....
كانت تستحي من الضعفاء والمحتاجين...
كانت تشعرهم أنها هي من بحاجتهم وليس العكس....
كانت تقول لي....لولا هؤلاء الناس...لما بارك الله أموالنا..
ولولا دعاءهم لنا بالغيب ما كان هناك بركة من الله في صحتنا ولا في أولادنا...
في يوم من الأيام...رأيت موقف استوقفني بقوة..
كنا أنا وهي في السوق...
وكانت تدفع الحساب...وخلفها رجل ينتظر دوره...
بدا يتطاول عليها لتسرع في محاسبة البائع...
هناك أناس خلفك لست وحدك من يشتري...
أليس لديك إحساس...قالها الرجل بحنق...
ردت عليه بابتسامة...
وكلما ازداد تطاوله...اتسعت ابتسامتها...
لم استطع التحمل...بدأت بالرد عليه وإيقافه عند حده....
وبعد أن خرجنا لمتها على سكوتها..
قلت لها...في الحقيقة وعلى مدى سنوات صداقتنا...
استغرب من هدوئك وحلمك...
من أين...
من أين لك هذا القدر الكبير من الحلم؟....
قالت...لدي سر لم أعترف به طوال عمري لأحد...
ولكني سأطلعك عليه...
وصلنا لمنزلها...
توجّهـت إلى حجرتها وأخرجت علبة مخملية
من درج تسريحتها ووضعتها في يدي...
حسنا يا صديقتي هذا هو سري...قلت لها ماذا...سحر؟!
...فتحت العلبة...وجدت بداخلها منديل
به حّبات رمل بالكاد لاحظتها حتى ظنتها فارغة...
قلت..ما هذا؟...
قالت: حبات رمل..
قلت: هذا هو السر؟
هل تسخرين مني؟!!..
قالت: أبدا والله وهل عهدتني في يوم ما أسخر منك؟...
قلت: بالله عليك وضحي لي...
فأنا لا افهم أبدا ما هو سر حبات الرمل السحرية هذه..
قالت:كلما ضاقت بي الدنيا من الناس وتأزّمت . ..
جئت فتأملت حبات الرمل ...
أتأملها ...حتى أعرف كم أن خلقها عظيم...
وكم أن مشكلات الدنيا هي عند الله كحبة الرمل الصغيرة هذه...
قادر ربي بكل بساطة أن يحلها...
مهما عظمت وكبرت في أعيننا...
كلما دخل الكبر إلى نفسي...
عدت لحبة رملي...
تأملتها...
فأدرك كم أنا جداً جداً حقيرة وصغيرة...
في هذا الكون الواسع...
وأتخيل أنني كحبة الرمل في هذا الكون...
فمن أنا لأتكبر...؟!
هذه الحبة...بصغرها الشديد وبدقة حجمها...
يكاثرها الله..فيجعل منها كثبانا وصحاري شاسعة...
وهذا المال كحبة الرمل...يكاثره الله...يعطيه من يشاء..ويضائله عمّن يشاء...
فالمال مال الله..ولسنا نحن المالكون...
فعندما يكون في أيدينا...
فهو أمانة لابد أن نضعها في مكانها الصحيح...
ونخرج منها حق الله فيها...
وهكذا يا صديقتي الغالية...
كلما تنازعتني أهوائي .... ومشاعري الإنسانية....
رجعت لحبة الرمل.... وتأملتها...
خير رفيق...
يعظني ...
ينبهني....
يعطيني الكثير...مما يعجز أن يوصله لي أي إنسان...
تأملي الذي أعود فيه إلى خالقي....
فأشعر بضعفي...
ومدى عجزي...
حبة الرمل...
كانت دليلي في كثير من الأوقات....
حينما أضل الطريق....
وكانت أستاذتي التي ترشدني وتنصحني حينما أفتقد المرشد الناصح....
...حبة رمل...
عزيزة
2007\12\12 الأربعاء 2/12/1428
هناك تعليقان (2):
شكراً على هذا الدرس القيم ..
الفريد من نوعه ..
ومازلنا نتعلم ....
.
.
محبتي ..
دينا .
.
.
رآئــــع جدآآآآ ..
سلمت أناملكـ وبوركتـ وسددت خطاكـ..
هنيئا لكـ بهذا التفكير وبهذه الأخلاق ..
إرسال تعليق